مستقبل تطور الصراع في اليمن

يتزامن نشر هذه الورقة مع مرور عام كامل على تشكيل المجلس الرئاسي في اليمن، في 7 أبريل 2022، الذّي حل محل حكم الرئيس السابق عبد ربه منصور هادي في إدارة البلاد سياسيًا وعسكريًا وأمنيًا من مقر الحكومة المؤقت في عدن، طوال المرحلة الانتقالية.

وتواكب أواخر الشهر الماضي مع ولوج الصراع في اليمن عامه التاسع منذ اندلاع الحرب عام 2015. وإن كانت حالة من الجمود السياسي والعسكري تسيطر على الأوضاع اليمنية الحالية، في ضوء تعذر تجديد الهدنة بين طرفي الصراع الرئيسيين (الحكومة الشرعية برئاسة رشاد العليمي وجماعة الحوثي) التي انتهت في أكتوبر 2022. ومع ذلك، شهد ملف الصراع في اليمن مؤخرًا عدة تطورات مهمة، قد يكون لها دورٌ في تشكيل مصيره ومستقبل البلاد؛ وهي: إعادة تطبيع العلاقات السعودية-الإيرانية، والمفاوضات المباشرة الجارية بين السعودية وجماعة الحوثي لإنهاء الحرب، وتواصل الجهود الإقليمية والدولية والأممية لتجديد الهدنة، والاتفاق بين بين الحوثيين والحكومة اليمنية على تنفيذ صفقة واسعة لتبادل الأسرى.

تسعى هذه الورقة إلى استشراف مستقبل الصراع اليمني في ضوء التغيرات المذكورة أعلاه. ومن أجل ذلك، يتم تقسيم هذه الورقة إلى ثلاثة أقسام رئيسية. يعمد القسم الأول إلى تشخيص الوضع السياسي والأمني الراهن في الداخل اليمني، ويحلل القسم الثاني التطورات الأخيرة في الصراع اليمني، فيما يستقرئ القسم الثالث سيناريوهات المستقبل لما يمكن تسميته “المسألة اليمنية”.

أولًا- تشخيص الوضع السياسي والأمني الراهن في الداخل اليمني:

يُوصف الصراع في اليمن بأنه من نوع الصراعات المركبة؛ بسبب أطرافه العديدة والمتباينة، ومصالحهم المتعارضة والمتصارعة، والتدخلات الخارجية في الشأن اليمني.

ثمة تنظيمات وجماعات مسلحة كثيرة في اليمن، أبرزها جماعة الحوثي، والمجلس الانتقالي الجنوبي، وألوية العمالقة المتحالفة مع الانتقالي الجنوبي، والجيش الوطني التابع للحكومة الشرعية وألوية اليمن السعيد، وميليشيا حزب الإصلاح الإخوانية والمقاومة الوطنية “المؤتمرية”، …إلخ. علاوة على ذلك، هناك تنظيمات قبلية مسلحة متعددة، تساند هذا الطرف أو ذاك، دون الحديث عن تنظيمي “القاعدة في جزيرة العرب” و”داعش” الإرهابيَّيْن. وهناك حالة مضطربة من التوازن بين هذه القوى جميعًا؛ بحيث لا يستطيع أحدها تحقيق الحسم العسكري، وكلٌ يبحث عن مصلحته الخاصة. ولذلك، تتصارع هذه القوى فيما بينها، وتتبدل تحالفاتها في الداخل والخارج وفقًا لمصالحها المتعارضة[1].

وبرغم تواصل الدعوات الدولية لتجديد الهدنة بين طرفي الصراع المستمر منذ أكثر من ثماني سنوات، فإن تجديدها لم يتحقق حتى الآن بين المجلس الرئاسي وجماعة الحوثي، وهما الطرفان السياسيان الرئيسان في الصراع اليمني، بالإضافة إلى المجلس الانتقالي الجنوبي.

ويتألف المجلس الرئاسي من رئيس مدني (رشاد العليمي) وسبعة نواب ذوي خلفيات سياسية وقوى عسكرية غير متجانسة. ومن الصحيح أنّ درجة عدم التجانس وحِدَّة الاختلافات بين مكونات المجلس انخفضت عن ذي قبل، إلا أنّ المجلس لم يستطع العمل كجبهة متماسكة ومتناغمة الأداء في مواجهة الحوثيين. ومنذ توليه إدارة البلاد، عجز المجلس الرئاسي عن توحيد التشكيلات الأمنية والعسكرية في مناطق سيطرته المفترضة، وفشل في إدارة الملف الاقتصادي[2].

أمّا جماعة الحوثي، التي تسيطر على العاصمة صنعاء منذ سبتمبر 2014، فتدير رحى الصراع في الشمال باستعراضها العسكري المخالف لاتفاق استكهولم[3] في الحديدة (2018) وتهديدها للملاحة الدولية في البحر الأحمر، وسعيها إلى توسيع مناطق سيطرتها في الوسط والجنوب. وبعد نحو 10 أشهر من الهدوء النسبي الذي شهدته البلاد منذ إعلان الهدنة في أبريل 2022، استأنف الحوثيون عمليات عسكرية جنوبي مأرب، في محاولة للسيطرة على مديرية حريب الاستراتيجية على الحدود بين محافظتي مأرب وشبوة الغنيتين بالنفط. وقد اشتدت قبضة الحوثيين على المناطق الخاضعة لسيطرتهم وسط تفاقم معاناة سكان هذه المناطق، وتنامي مشاعر الرفض والمقاومة للإجراءات الأمنية والسياسات الاقتصادية التي تتابعها حكومة الحوثيين. ولا تزال جماعة الحوثي ماضيةً في تنفيذ مشروعها “الطائفي” من دون اكتراث للمعارضة المتنامية في الداخل أو الانتقادات المتزايدة في الخارج[4].

أما المجلس الانتقالي الجنوبي، فهو هيئة سياسية في جنوب اليمن، تم الإعلان عنها في مايو 2017. وتضم الهيئة الرئاسية للمجلس غالبية محافظي محافظات جنوب وشرق اليمن، وهي المحافظات التي كانت تمثل جغرافيًا ما كان يُعرف بجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية. كما يضم المجلس وزراء ووكلاء محافظات. ويحظى المجلس بتأييد واسع من أصحاب الحراك الجنوبي. وإنْ تحفظت بعض الشخصيات الجنوبية عليه، لكنها تؤيد إنشاء كيان سياسي جنوبي.

وفي ضوء الجمود السياسي الذي يخيم على الأزمة اليمنية منذ انتهاء الهدنة بين الحكومة الشرعية وجماعة الحوثي في أكتوبر 2022، يزداد تفاقم الأوضاع اليمنية في كل المجالات. والواقع أن استمرار الوضع بشكله الحالي يقود اليمن إلى مجاعة محققة، ولاسيما بعد تحجيم مصادر الدخل البديلة للمواطنين، وضرب شبكات الدعم الاجتماعية، وتوفير غطاء لممارسات خارج الأطر الرسمية[5]. فقد حذر برنامج الأغذية العالمي من أن اليمن على مشارف أزمة جوع كبيرة بسبب تخفيضات متواصلة اضطر البرنامج إلى إدخالها على مساعداته الإنسانية لليمن، جراء أزمة نقص التمويل التي يعانيها البرنامج؛ بسبب نقص التبرعات وتبعات الأزمة الأوكرانية. ووفقًا لتقارير المنظمات الإغاثية، ارتفع عدد الأشخاص الذين يعانون انعدام الأمن الغذائي في اليمن إلى 19 مليون نسمة في ديسمبر المنصرم، وأنّ أكثر من 23 مليون شخص يحتاجون إلى شكل من أشكال المساعدات الإنسانية، وأنّ ثلث النازحين في اليمن (4 ملايين شخص) يعيشون ظروفًا قاسية[6]. وليس هذا وحسب، بل أدى استمرار الصراع في البلاد منذ أكثر من ثماني سنوات إلى تدمير جزءٍ كبير من التراث اليمني، وتحول اليمن إلى أكبر حقل ألغام في العالم، وأكثر البلاد فقرًا، وأكبر دولة هشة في العالم، بحسب مؤشر الدول الهشة لعام 2022[7].

ويزداد الأمر تعقيدًا وتركيبًا في ملف الصراع اليمني أنّ التدخلات الدولية والإقليمية تتحكم في مساره ومآله إلى حد كبير. فعلى المستوى الإقليمي، يُنظر إلى إيران من جهة والسعودية ومعها دولة الإمارات (في إطار التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن) من جهة ثانية، باعتبارها مَن تقود الصراع اليمني، وتدير بشكل مباشر القوى المحلية النشطة على الأرض. ومع ذلك، هناك فاعلون إقليميون فرعيون ينشطون في الملف اليمني، غير أن نشاطهم محدود التأثير، كما هو حال مصر وسلطنة عُمان وقطر. وعلى المستوى الدولي، الذي يقوم برسم خريطة الأزمة وتوجيه مسارها من خلال التحكم بعدد من المفاعيل المؤثرة في الصراع، تعد الولايات المتحدة اللاعب الأقوى في هذا المستوى، ومن بعدها يحضر بدرجات تأثير أقل كلٌ من البعثة الأممية والاتحاد الأوربي وروسيا والصين[8].

ولكن السياسات التدخلية الإيرانية هي الأكثر تأثيرًا على تطور الصراع، وإطالة أمده، وتعزيز سيطرة الحوثيين على غالبية المحافظات والمناطق الشمالية. وتتخذ السياسات التدخلية الإيرانية عدة صور، أهمها: تقديم الدعم السياسي والإعلامي والاقتصادي والعسكري والتدريبي للحوثيين، وتوجيه ودعم الحملات ضد التحالف العربي الذي تقوده السعودية، وتدريب كوادر إعلامية تابعة للحوثيين في بيروت وطهران. كما دعمت إيران إطلاق عدد من القنوات الفضائية والصحف المعبرة عن توجهاتها أو التابعة لحلفائها الحوثيين. وقد أدى الدور الإيراني في اليمن إلى إضفاء صبغة طائفية على الصراع باليمن، ما أدى إلى انتشار الطائفية في البلاد والمنطقة[9].

ثانيًا- التطورات الأخيرة في ملف الصراع اليمني:

كما قدّمنا، شهد ملف الصراع في اليمن مؤخرًا عدة تطورات مهمة، قد يكون لها دورٌ في تشكيل مصيره ومستقبل البلاد التي مازالت تعاني الحرب لأكثر من ثماني سنوات. أول هذه التطورات هو إعادة تطبيع العلاقات السعودية-الإيرانية. فقد وقعت كلٌ من الرياض وطهران، بوساطة صينية، اتفاقًا لاستئناف العلاقات بينهما في 10 مارس 2023. وثمة إجماع بين المراقبين على أن الملف اليمني سوف يمثل أحد العناصر الجوهرية في التفاهمات المقبلة بين الجانبين السعودي والإيراني. بعبارة أخرى، فإنّ التقارب السعودي-الإيراني سوف ينعكس على الملفات الإقليمية الأخرى لجهة تسهيل تسويتها، وعلى رأسها الحرب في اليمن[10]. وربما يفضي ذلك ليس فقط إلى وقف إطلاق النار، بل إلى إنهاء الحرب في اليمن، أو على الأقل وضع مسار لإنهائها. وما يعزز هذه الفرضية هو الدعم السعودي والأمريكي للتسوية السياسية في اليمن. فالسعودية تنخرط في محادثاتٍ مباشرة مع الحوثيين، بوساطة عُمانية ودعم أمريكي، ليس فقط لتمديد وقف إطلاق النار، وإنما أيضًا لوضع مسار للتفاوض لإنهاء الحرب في اليمن. وقد كشفت “أسوشيتدبرس” عن هذه المحادثات في البداية. ثم جاءت التصريحات غير المسبوقة لوزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، خلال مشاركته في منتدى دافوس الاقتصادي في 25 يناير 2022، لتؤكد ذلك. غير أن الاتفاق السعودي-الإيراني ومحادثات السعودية مع الحوثيين قد تكون لها تداعيات سلبية محتملة لهذا التقارب على إمكانية فرض تسوية في اليمن لا تأخذ في اعتبارها مصالح المجلس الانتقالي الجنوبي، في ضوء ما يتردد حول تأجيل قضية الجنوب إلى ما بعد تسوية الأزمة في البلاد. كما أنّ إصرار المجلس الانتقالي الجنوبي على الانفصال، وتكوين دولة مستقلة باسم “الجنوب العربي”، قد يزيد تعقيد الخريطة الصراعية في اليمن تعقيدًا[11]. وفي أخطر السيناريوهات، سوف يؤدي الاخفاق في إلزام القوى اليمنية المؤثرة على الأرض بحل سياسي للنزاع إلى انسحاب السعودية من هذا الملف برمته، وترك اليمن وحده يتخبط في صراعاته الداخلية المتعددة لسنوات أخرى مقبلة. وحينئذٍ، لن نجد في الأدب السياسي أفضل من تعبير “توماس هوبز” المشهور “حرب الجميع ضد الجميع”، في حالة الطبيعة[12]، لوصف وضع اليمن.

وبالنسبة لتجديد الهدنة بين الحوثيين والحكومة اليمنية التي انتهت في أكتوبر 2022، تقود سلطنة عُمان، بدعمٍ أمريكي ومباركةٍ سعودية، جهود الوساطة بين طرفي الصراع، ولاسيما بعد إخفاق المبعوث الأممي إلى اليمن، هانس غروندبرغ، في إقناع الطرفين بتمديد الهدنة. وفي هذا الإطار، تكررت الزيارات مؤخرًا بين مسقط وصنعاء لوضع اللمسات الأخيرة على الاتفاق، كما تقول تقارير الأخبار. وذهب المبعوث الأمريكي إلى اليمن، تيموثي ليندركينغ، بعيدًا في تفاؤله حين صرّح، خلال مؤتمر دولي عن اليمن عُقد بواشنطن في 9 يناير، بأنّ العام 2023 يقدّم فرصة لإنهاء الصراع في البلاد بشكل نهائي.

وتسير مفاوضات مسقط في اتجاهين: أولهما، تجديد الهدنة. وثانيهما وضع أسس للتسوية السياسية في المرحلة المقبلة. وطبقًا للتقارير الصحفية[13]، ثمة تقدم كبير في مفاوضات مسقط بين الحوثيين والسعودية، وهناك توقع بتوقيع اتفاق تجديد الهدنة واتفاق مبادئ التسوية السياسية قبل نهاية شهر أبريل 2023. ولعل ذلك يثير تساؤلًا يتعلق بأوجه الاختلاف بين اتفاق الهدنة هذه المرة عن المرتين السابقتين. فإذا كانت الأخيرتان لم تفضيا إلى أي اختراق في التسوية السياسية للصراع في اليمن، بل أدتا إلى تثبيت الأمر الواقع بل وتكريس وضع تقسيم البلاد باحتفاظ كل طرف بما تحت يده من أراضٍ وموارد، فكيف يختلف اتفاق الهدنة هذه المرة؟

وفقًا للتسريبات الإعلامية، يتضمن الاتفاق الجديد ضمانات لتنفيذ ما جاء فيه، وآلية واضحة للمواعيد الزمنية حتى لا يتنصل الحوثيون من التزاماتهم، كما حصل سابقًا، بالإضافة إلى نصوص مرتبطة بمراقبين دوليين ومحليين لمراقبة وقف إطلاق النار وأخرى تتعلق بالدخول في محادثات سياسية مباشرة بين الطرفين للتوصل إلى تسويةٍ سياسية لصراع الثماني العجاف، سوف تحذو حذو “اتفاق الرياض” لتقاسم السلطة، في نوفمبر 2019، بين الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي[14].

وهناك تطور مهم ذو دلالة على تقدم المفاوضات بين الحكومة الشرعية والحوثيين، ويتعلق باتفاق الطرفين، في 20 مارس 2023، على تنفيذ صفقة واسعة لتبادل الأسرى، تشمل إطلاق سراح أكثر من 880 أسيرًا ومحتجزًا لدى الطرفين[15]. وهذا المتغير مهم؛ لأنه يمكن أن يسهم في التوصل لاتفاق تسويةٍ سياسية، والتي تعززت بعد استئناف العلاقات بين إيران والسعودية في مارس 2023.

وتندرج صفقة تبادل الأسرى الأخيرة، التي تمت برعاية الأمم المتحدة، ضمن الخطوات الرئيسية لبناء الثقة بموجب اتفاق استوكهولم 2018، حيث جرت مناقشات عن تبادل قرابة 15 ألف أسير لهم علاقة بالصراع. ولكن التقدم بطيء؛ إذ نسقت اللجنة الدولية للصليب الأحمر بضع صفقات تبادل، من بينها عمليات في 2020 و2022، بالإضافة إلى اتفاقات أصغر بشكل مباشر بين الطرفين المتحاربين[16].

ثالثًا- سيناريوهات المستقبل[17]:

بناءً على تشخيصنا للوضع السياسي والأمني والاقتصادي الراهن في اليمن، وتحليلنا للتغيرات الجديدة التي تؤثر على الصراع والأزمة السياسية هناك، يمكن رسم ثلاثة سيناريوهات لمستقبل المسألة اليمنية. يأخذ السيناريو الأول شكل تقسيم اليمن إلى يَمَنَيْن، وتحول الحرب إلى صراع منخفض المستوى طويل الأمد بينهما. أما السيناريو الثاني، فيتلخص في تحول الصراع إلى حرب استنزاف طويلة المدى بين الأطراف المتصارعة على الساحة اليمنية. وهكذا يبدو أن سيناريو التسوية السياسية هو أكثر السيناريوهات تفاؤلًا لمستقبل الصراع على الأرض والثروة والسلطة والأيديولوجيا في اليمن.

  • سيناريو التقسيم أو التشطير:

يأخذ هذا السيناريو شكل تقسيم اليمن إلى شطرين، وتحول الحرب إلى صراع منخفض المستوى بينهما، قد يستمر سنوات، ويماثل حالة الصراع بين شطري كوريا منذ انتهاء الحرب الكورية في عام 1953، وبين شطري اليمن نفسهما قبل الوحدة عام 1990. ووفقًا للعديد من الخبراء، يظل سيناريو التقسيم أو التشطير ذاك هو السيناريو الذي يغطي معظم السماء اليمنية.

أما السيناريو الثاني، فيتلخص في تحول الصراع إلى حرب استنزاف طويلة المدى بين الأطراف المتصارعة على الساحة اليمنية؛ لعدم قدرة أيٍّ منها على تحقيق الحسم العسكري لمصلحته. وهنا، سوف يكون دعم “التحالف العربي” للحكومة الشرعية عاملًا أساسيًا في صمودها في مواجهة التغول الحوثي المدعوم إيرانيًا.

  • سيناريو استمرار الصراع في دولة متصدعة:

ويتلخص هذا السيناريو في تحول الصراع إلى حرب استنزاف طويلة المدى بين الأطراف المتصارعة على الساحة اليمنية. وضمن هذا السيناريو يُتوقع حدوث صراع ممتد، على غرار النموذج الصومالي بكل ما يترتب على ذلك من تداعيات كارثية. فالدولة المتصدعة تمثل بيئة ملائمة لظهور وتمدد الفاعلين المسلحين من غير الدول، بما في ذلك التنظيمات الجهادية الإرهابية وعصابات الجريمة المنظمة.

ويستشرف هذا المشهد إخفاق مجلس القيادة الرئاسي في القيام بمسؤولياته على الوجه المطلوب، وتعرضه لانشقاقات أو انقسامات داخلية حادة تؤثر على أدائه وتهز شرعيته بسبب الاختلافات الجغرافية والعقائدية بين مكوناته، وسيطرة الضباط والجنود الشماليين على تركيبة الجيش الوطني، والخلفية القبلية للجنود في الجيش اليمني، حيث ينتمي عدد كبير منهم إلى اتحاد قبائل حاشد الذي يضم عائلتَي صالح والأحمر. ويتشارك هؤلاء الجنود أيضًا روابط مع التجمع اليمني للإصلاح التابع للإخوان المسلمين والذي تجمعه صلات بالأوساط القبلية المحافظة.

وحتى لو تم تجديد الهدنة، فإن السلوك السابق للحوثيين تجاه الهدنة هو عدم الالتزام ببنودها، بل واستغلالها في حشد مسلحيها وتنفيذ عمليات عسكرية في مناطق واقعة تحت سيطرة الحكومة الشرعية، والاستعداد لجولة أخرى من الصراع. وتكرار تمديد الهدنة لا يعدو أن تكون تثبيتًا للأمر الواقع فحسب، ومن ثم تكريس وضع التقسيم باحتفاظ كل طرف بما تحت يده من أراضٍ وموارد.

  • سيناريو التسوية السلمية للصراع اليمني:

ويفترض أصحاب هذا السيناريو أنّه في حالة انخرط طرفا الصراع اليمني الرئيسيين في محادثات مباشرة للتوصل إلى تسويةٍ سياسية لصراع الثماني العجاف، فإن ملامح التسوية تتضح في ضوء اتفاق تقاسم السلطة بوساطة الرياض في نوفمبر 2019، المعروف اختصارًا بـ “اتفاق الرياض”، بين الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي.

والواقع أنّ اتفاق الرياض يمثل نموذجًا للشراكة الوطنية القابلة للتعميم مع الحوثيين، خاصة وأن هناك إرهاصات عديدة لذلك، كان أبرزها اتفاق السلم والشراكة (سبتمبر 2014) الملحق بالمبادرة الخليجية (إبريل 2011) والذي فتح الباب أمام مشاركة الحوثيين في السلطة قبل انقلابهم مباشرة. كما أجرت الرياض والميليشيا الحوثية مفاوضات ثنائية مباشرة في أكثر من جولة خلال عام 2016، التي استؤنفت في العام الماضي في أعقاب الهدنة الأولية. ولاتزال السعودية منخرطة مع الحوثيين في مفاوضات حاليًا.

وفي هذا الخصوص، قد يتم الاتفاق على تشكيل حكومة مناصفة ومحاصصة بين الشماليين والجنوبيين والحوثيين، على ثلاث مستويات، هي المناصفة الجهوية بين الشماليين والجنوبيين، والمحاصصة الإقليمية بين أقاليم البلاد، والمحاصصة الحزبية بين التنظيمات السياسية الرئيسية على أساس وزنها السياسي، وأهمها حركة الحوثيين وحزب المؤتمر الشعبي العام – القطاع الموالي للشرعية – والحراك الجنوبي وحزبا الإصلاح والاشتراكي. وسوف يفضي أي اتفاق للتسوية السياسية إلى عودة الحكومة اليمنية “الجديدة” لممارسة صلاحياتها من صنعاء، ومن ثم إنهاء “حالة” حكومة المهجر (في الرياض) أو حكومة “العاصمة الثانية” في عدن. كما أنّ تسوية سياسية على أساس تقاسم السلطة ستؤدي إلى خفوت الدعوات الانفصالية المتنامية في الجنوب التي تنامت بسبب تصاعد الصدام بين الشرعية والانتقالي.

بيد أنّ سيناريو التسوية السياسية تبدو نسبة تحققه، في الأجل القصير، محدودة[18]؛ لعدة عوامل أبرزها أن قضايا الصراع بين أطرافه الرئيسية (الحكومة الشرعية والحوثيين والانتقالي الجنوبي) تتعلق بالأرض والثروة والقوة والأيديولوجيا، والتدخل الخارجي، ولاسيما الإيراني، في الصراع اليمني، وتصاعد المشاعر القومية في الجنوب، وصعوبات التطبيع السياسي بين المكونات المتنافرة أيديولوجيًا وسياسيًا بحكم طبيعتها. علاوة على ذلك، فإنّ عودة حزب الإصلاح “الإخوان المسلمون” في أية تسوية سياسية قد تؤجج المسألة الجنوبية؛ بسبب الصراع التاريخي والسياسي والأيديولوجي بينه وبين المجلس الانتقالي. كما أنّ عملية إعادة هيكلة القوات المسلحة، بين المجلس الانتقالي والحكومة الشرعية والحوثيين، تقف عقبةً كأداء أمام أية تسوية سياسية. والأهم من ذلك أنه لم تُثبت عملية المحاصصات السياسية والجهوية جدواها في العديد من الحالات الإقليمية. فقد تعثرت في العراق، كما لم تنجح في لبنان، حيث أفرزت الممارسة حالة من الاستقطاب السياسي داخل حكومات المحاصصة أعادت إنتاج الأزمات السياسية بأشكال أخرى، في ظل سعي الأطراف إلى بناء توازنات جديدة[19].

خاتمة:

حاولت هذه الورقة استشراف مستقبل الصراع في اليمن، الذي دخل عامه التاسع على التوالي، ولاسيما في ضوء متغيرات جديدة قد تؤثر في مسار الصراع ومآلاته؛ وهي: الاتفاق السعودي-الإيراني على إعادة تطبيع العلاقات بينهما، والمفاوضات المباشرة بين السعودية والحوثيين لإنهاء الحرب، والمساعي الدولية والإقليمية لتجديد الهدنة بين الحوثيين والحكومة اليمنية، والاتفاق على تنفيذ صفقة واسعة لتبادل الأسرى.

وقد خلص الباحث، بعد تشخيصه للأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية والإنسانية المأزومة في اليمن، وبعد اختباره التغيرات المذكورة آنفًا على تطور الصراع في أرض اليمن وعليها، إلى أن هناك ثلاثة سيناريوهات لمستقبل المسألة اليمنية المركبة في تكوينها والمعقدة في سيرورتها. يأخذ السيناريو الأول والأكثر احتمالًا. شكل تقسيم اليمن إلى يمنَيْن، وتحول الحرب إلى صراع منخفض المستوى بينهما، قد يستمر سنوات. أما السيناريو الثاني فيتلخص في تحول الصراع إلى حرب استنزاف طويلة المدى بين الأطراف المتصارعة على الساحة اليمنية؛ لعدم قدرة أيٍّ منها على تحقيق الحسم العسكري لمصلحته. أما التسوية السلمية للصراع اليمني، على أساس اتفاق الرياض، فتبدو نسبة تحققه محدودة؛ فالصراع في اليمن مركب، بسبب أطرافه العديدة والمتباينة، ومصالحهم المتعارضة. كما أن التطبيع السياسي بينها صعبٌ للغاية؛ بسبب تنافرها الأيديولوجي والسياسي، وأن قضايا الصراع بينها تتعلق بالأرض والثروة والقوة. دون الحديث عن التدخلات الخارجية في الشأن اليمني، وأخطرها التدخل الإيراني، وتصاعد المشاعر القومية في الجنوب. والأهم من ذلك أنّ عملية إعادة هيكلة القوات المسلحة في اليمن تظل أهم العقبات التي يمكن أن تحول دون أية تسوية سياسية.

المصدر : تريندز للبحوث والاستشارات

المراجع

[1] يورونيوز مع رويترز، “النزاع في اليمن جرح ينزف: من هم أطراف الحرب؟”، 8 أغسطس 2021، https://bit.ly/3ZIta8Q.

[2] إلينورا أردماغني، توازنات مجلس القيادة الرئاسي في اليمن، 9 يونيو 2022، https://carnegieendowment.org/sada/87297.

[3] انظر النص الكامل للاتفاق في: مكتب المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة لليمن، اتفاق ستوكهولم، lns_lkml_ltfq_stwkhwlm.pdf.

[4] أنور العنسي، ” الحرب في اليمن: هل يُغيّر اتفاق طهران والرياض المشهد بعد 9 سنوات من الصراع؟”، بي بي سي، 1 أبريل 2023، https://bbc.in/3UaYz2q.

[5] مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي، تشابه الوضع واختلاف القِيمة.. بين صنعاء وعدن، يوليو 2022، https://bit.ly/3CYt5WT.

[6] دينا محمود، “الأمم المتحدة: اليمن على مشارف أزمة جوع كبرى،” الاتحاد، 23 أغسطس 2022.

[7] Fund for Peace, Fragile States Index Annual Report 2022, Washington, D.C.

[8] إسراء إيهاب حافظ العزيزي وإسراء عادل عبد العاطي عفيفي وندا معتمد شحات محمد، التدخلات الخارجية في الأزمة اليمنية في الفترة من (2011 – 2022)، المركز الديمقراطى العربى، 9 أغسطس 2022، https://democraticac.de/?p=83765.

[9] العزيزي وعفيفي ومحمد، التدخلات الخارجية، المرجع السابق.

[10] أنور العنسي، ” الحرب في اليمن: هل يُغيّر اتفاق طهران والرياض المشهد بعد 9 سنوات من الصراع؟”، بي بي سي، 1 أبريل 2023، https://bbc.in/3UaYz2q.

[11] ناجي، الطموحات السياسية لجنوب اليمن، مرجع سابق.

[12] Thomas Hobbes, The Levithan (California: CreateSpace, 2011).

[13] شبكة صدى الساحل الإخبارية، مصدر سياسي يؤكد: الاتفاق السعودي الإيراني أسهم بدور كبير في تذويب الخلافات بين الأطراف اليمنية، 4 أبريل 2023، https://bit.ly/3KyKZmh.

[14] صلاح الغول، “تجديد الهدنة.. ومستقبل الصراع في اليمن”، الخليج، 22 فبراير 2023، https://bit.ly/3nKSEVD.

[15] سكاي نيوز عربية، 20 مارس 2023، https://bit.ly/3zB028E.

[16] الحرة، 20 مارس 2023، https://arbne.ws/40IDUFm.

[17] Mareike Transfeld, Three Scenarios for the Yemen War, Stiftung Wissenschaft und Politik, 2022, https://bit.ly/3TI3dEv; Compare: Sergey Serebrov, Yemen Crisis: Causes, Threats and Resolution Scenarios, Policy Brief, no. 14, Moscow: The Russian International Affairs Council (RIAC), October 2017, https://bit.ly/3KJTERr.

[18] حمود ناصر القدمي، “فجوات الثقة: لماذا لا يزال السلام بعيد المنال في اليمن؟”، المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، 7 فبراير، 2023، https://bit.ly/3GlCdp7.

[19] قارن: أحمد عليبه، انعكاسات تنفيذ اتفاق الرياض على الأزمة اليمنية، تقديرات استراتيجية (مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية)، 16 ديسمبر 2020، https://acpss.ahram.org.eg/News/17018.aspx.

Move to top